فصل: ثانياً: أحكام السّفر لغير التّخفيف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء الخامس والعشرون

سِعاية

التّعريف

1 - السّعاية في الأصل من السّعي وهو التّصرّف في كلّ عمل، خيراً كان أو شرّاً، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى‏}‏ ‏{‏وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى‏}‏‏.‏

فيقال‏:‏ سعى على الصّدقة سعياً، وسعايةً‏:‏ عمل في أخذها، وسعى العبد في فكّ رقبته سعايةً‏.‏ وسعى به سعايةً إلى الوالي‏:‏ وَشَى‏.‏

ومعناها الاصطلاحيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العتق‏:‏

2 - العتق في الاصطلاح إزالة الرّقّ عن الآدميّ لا إلى مالك، بل تقرّباً إلى اللّه تعالى، ووجه الصّلة أنّ السّعاية من الوسائل المؤدّية إلى العتق‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّعاية

السّعاية إلى الوالي

3 - السّعاية أمّا أن تكون بحقّ أو بغير حقّ، فالسّعاية بحقّ كمن يسعى إلى السّلطان بمن يؤذيه، والحال أنّه لا يدفع بلا رفع إلى السّلطان، أو سعى بمن يباشر الفسق ولا يمتنع بنهيه، فهذا لا شيء فيه ولو غرم السّلطان المسعيّ به فلا ضمان على السّاعي‏.‏

وأمّا السّعاية بالنّاس إلى الوالي بغير حقّ أي الوشاية بهم فهي من الكبائر الفسقة الّتي تردّ بها شهادة صاحبها، ولا تقبل عند القاضي، ويعزّر السّاعي بها زجراً له ودفعاً للفساد، وإذا غرّمه السّلطان شيئاً ضمن السّاعي‏.‏ وينظر التّفصيل في ‏(‏ضمان‏)‏‏.‏

السّعاية في أخذ الصّدقة

4 - يجب على الإمام بعث السّعاة لأخذ الزّكاة وتفريقها وهم العاملون على الزّكاة اتّباعًا للسّنّة، ولما في ذلك من السّعي من إيصال الحقوق إلى أهلها، ولأنّ كثيراً من النّاس لا يعرفون الخروج عن عهدة الواجب في الزّكاة‏.‏

ويشترط أن يكون السّاعي عدلاً فقيهاً بأبواب الزّكاة يعرف ما يأخذه ومن يدفع إليه‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

السّعاية في العتق

5 - وهو‏:‏ أن يعتق بعض عبد، ويبقى بعضه الآخر في الرّقّ، فيعمل العبد ويكسب، ويصرف ثمن كسبه إلى مولاه فسمّي كسبه لهذا الغرض سعايةً‏.‏

واختلف الفقهاء في مشروعيّة السّعاية‏:‏ فقال جمهور الفقهاء‏:‏ إذا أعتق بعض مملوكه فإن كان خاصّاً به غير مشترك عتق البعض المعتق، ثمّ يسري إلى باقيه، ولو كان المعتق معسراً، وإن كان مشتركاً بينه وبين غيره، فإن كان موسراً بقيمة نصيب شريكه أو جزء منه، عتق نصيبه، ثمّ سرى العتق إلى باقيه، وعليه لشريكه قيمة ما أعتق من نصيبه يوم الإعتاق‏.‏ وإن كان معسراً بقي نصيب الشّريك في الرّقّ، وليس على العبد سعاية، ولا للشّريك استسعاء العبد‏.‏

واستدلّوا بخبر‏:‏ «من أعتق شقيصاً من مملوكه فعليه خلاصه في ماله»

وخبر‏.‏ «من أعتق شركاً له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلاّ فقد عتق معه ما عتق»

وخبر‏.‏ «إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسراً يقوّم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط ثمّ يعتق»‏.‏

وقال الشّافعيّ في الأمّ‏:‏ كلّ من الحديثين يبطل الاستسعاء في كلّ حال، ويتّفقان في ثلاثة معان‏:‏ أ - إبطال الاستسعاء‏.‏

ب - ثبوت الرّقّ في حال عسر المعتق‏.‏

ج - نفاذ العتق إن كان موسراً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ السّعاية ثابتة في الجملة، واستدلّوا لثبوتها بحديث أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ «من أعتق شقيصاً من مملوكه فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال قوّم المملوك قيمة عدل، ثمّ استسعي غير مشقوق عليه»‏.‏

وقالوا‏:‏ فقد دلّ هذا الحديث على أنّ السّعاية ثابتة في الجملة، وضمان السّعاية ليس ضمان إتلاف، ولا ضمان في تملّك بل ضمان احتباس، وضمان سلامة النّفس، والرّقبة، حصول المنفعة‏.‏

ثمّ اختلف الحنفيّة فيما بينهم فيمن يحقّ له خيار الاستسعاء، ومتى‏؟‏‏.‏

فقال أبو حنيفة‏:‏ يثبت حقّ خيار الاستسعاء لمن أعتق جزءاً من مملوكه أو شقصاً من عبد مشترك بينه وبين غيره‏.‏

فإن أعتق بعض مملوكه صحّ، ويسعى فيما بقي وإن شاء حرّره‏.‏

وقال الصّاحبان‏:‏ عتق كلّه‏.‏

وإن أعتق شريك نصيبه، فلشريكه خيارات ثلاثة‏:‏

أن يحرّر نصيبه أيضاً، أو يضمن المعتق الأوّل ويرجع المعتق على العبد، أو أن يستسعى العبد، والاستسعاء أن يؤجّره حتّى يأخذ قيمة نصيبه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المعتق موسراً أو معسراً عند أبي حنيفة لأنّ العتق ليس إتلافاً لنصيب شريكه، بل بقي محتبسًا عند العبد بحقّه بحيث لا يمكن استخلاصه منه، وهو يوجب الضّمان، وهذا لا يقتضي الفصل بين اليسار والإعسار فيثبت خيار السّعاية في الحالتين‏.‏

وقال صاحباه‏:‏ لا يثبت الاستسعاء إلاّ في حالة إعسار الشّريك المعتق نصيبه‏.‏

أمّا إن أعتق جزءاً من مملوكه غير المشترك أو أعتق نصيبه في مشترك بينه وبين غيره وهو موسر فلا سعاية، لأنّ الإعتاق لا يتجزّأ فكان المعتق متلفاً نصيب شريكه، فوجب الضّمان، ووجوب الضّمان على المتلف يمنع السّعاية، وكان مقتضى القياس ألاّ تجب السّعاية حال الإعسار أيضاً، وألاّ يكون الواجب إلاّ الضّمان في الحالين، لأنّ ضمان المتلفات لا يختلف بالإعسار واليسار، ولكن عدل عنها للنّصّ، والنّصّ ورد في حال الإعسار‏.‏ قالوا‏:‏ ولا يجوز في العبد المستسعى التّصرّفات النّاقلة للملك، كالبيع، والهبة، والصّدقة، ولا يورث وهو أحقّ بمكاسبه، ويخرج إلى الحرّيّة بالسّعاية أو الإعتاق، ولا يعود إلى العبوديّة مطلقاً، وإن عجز‏.‏

سِعر

التّعريف

1 - السّعر في اللّغة‏:‏ هو الّذي يقوّم عليه الثّمن، وجمعه أسعار، وقد أسعروا وسعّروا اتّفقوا على سعر‏.‏

يقال‏:‏ شيء له سعر‏:‏ إذا زادت قيمته، وليس له سعر‏:‏ إذا أفرط رخصه‏.‏

وسعر السّوق‏:‏ ما يمكن أن تشترى بها الوحدة أو ما شابهها في وقت ما‏.‏

والتّسعير‏:‏ تقدير السّلطان أو نائبه للنّاس سعراً، وإجبارهم على التّبايع بما قدّره‏.‏

وانظر مصطلح ‏(‏تسعير‏)‏‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الثّمن‏:‏

2 - الثّمن لغةً‏:‏ ما يستحقّ به الشّيء‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هو ما يكون بدلاً للمبيع ويتعيّن في الذّمّة‏.‏ ر‏:‏ مصطلح ‏(‏ثمن‏)‏‏.‏

وتقدّم في مصطلح ‏(‏ثمن‏)‏ أنّ الفرق بين الثّمن والسّعر‏:‏ أنّ السّعر هو ما يطلبه البائع‏.‏ أمّا الثّمن فهو ما يتراضى عليه العاقدان‏.‏

ب - القيمة‏:‏

3 - القيمة لغةً‏:‏ الثّمن الّذي يقوّم به المتاع‏:‏ أي‏:‏ يقوم مقامه، والجمع‏:‏ القيم‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ هي الثّمن الحقيقيّ للشّيء‏.‏

والفرق بينها وبين السّعر‏:‏ أنّ السّعر ما يطلبه البائع ثمناً لسلعته سواء كان مساوياً للثّمن الحقيقيّ أو أزيد منه أو أقلّ‏.‏

أحكام السّعر

البيع بما ينقطع به السّعر

4 - ذهب جمهور الفقهاء وهو المذهب عند الحنابلة - كما قال المرداويّ - وعليه الأصحاب إلى أنّ البيع بسعر السّوق اليوم أو بما ينقطع به السّعر لا يصحّ للجهالة، كأن يقول‏:‏ بعتك بما يظهر من السّعر بين النّاس اليوم‏.‏

ثمّ قال المرداويّ‏:‏ وعن أحمد يصحّ واختاره ابن تيميّة وابن القيّم وقال‏:‏ اختلف الفقهاء في جواز البيع بما ينقطع به السّعر من غير تقدير الثّمن وقت العقد، وصورتها‏:‏ البيع ممّن يعامله من خبّاز أو لحّام أو سمّان أو غيرهم‏.‏ يأخذ منه كلّ يوم شيئاً معلوماً، ثمّ يحاسبه عند رأس الشّهر أو السّنة على الجميع ويعطيه ثمنه، فمنعه الأكثرون وجعلوا القبض به غير ناقل للملك، وهو قبض فاسد يجري مجرى المقبوض بالغصب، لأنّه مقبوض بعقد فاسد‏.‏

والقول الثّاني‏:‏ جواز البيع بما ينقطع به السّعر، وهو منصوص الإمام أحمد، واختاره شيخنا، وسمعته يقول‏:‏ هو أطيب لقلب المشترى من المساومة، يقول‏:‏ لي أسوة بالنّاس آخذ بما يأخذ به غيري‏.‏ قال‏:‏ وقد أجمعت الأمّة على صحّة النّكاح بمهر المثل، وأكثرهم يجوّزون عقد الإجارة بأجرة المثل، كالغسّال والخبّاز والملّاح، وقيّم الحمّام، والمكاري، والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمّام‏.‏

فغاية البيع بالسّعر أن يكون بيعه بثمن المثل فيجوز‏.‏ قال‏:‏ وهو الصّواب المقطوع به وهو عمل النّاس في كلّ عصر ومصر‏.‏ وراجع مصطلح ‏(‏بيع الاستجرار‏)‏‏.‏

زيادة السّعر بعد إخبار الرّكبان به

5 - لو اشترى شخص من الرّكبان بغير طلبهم متاعاً قبل قدومهم البلد ومعرفتهم السّعر بأقلّ من سعر البلد، فإنّهم يخيّرون فوراً بعد معرفتهم للغبن، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تلقّوا الجلب، فمن تلقّاه فاشترى منه، فإذا أتى سيّده أي‏:‏ صاحبه السّوق فهو بالخيار»‏.‏ ر‏:‏ مصطلح ‏(‏بيع منهيّ عنه ف /130 وما بعدها‏)‏‏.‏

الإخبار بالسّعر

6 - قال في مطالب أولي النّهى‏:‏ يجب على عارف بالسّعر إخبار مستخبر جاهل به عن سعر جهله، لوجوب نصح المستنصح، لحديث‏:‏ «الدّين النّصيحة»‏.‏

نقص سعر المغصوب

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ليس على الغاصب ضمان نقص قيمة العين بسبب تغيّر الأسعار‏.‏

وحكي عن أبي ثور أنّه يضمن النّقص، لأنّه يضمن النّقص إذا تلفت العين المغصوبة‏.‏

فكذلك يضمنه إذا ردّ العين المغصوبة بعدما نقص سعرها‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏غصب‏)‏‏.‏

أثر غلاء الأسعار على نفقة الزّوجة

8 - صرّح الحنفيّة إلى أنّه لو فرضت النّفقة للزّوجة على قدر حاله وحالها ثمّ غلا السّعر كان لها أن تطالبه بأن يزيد في الفرض، وللزّوج أن ينقص النّفقة إذا رخصت الأسعار‏.‏

نُقْصان سعر المسروق

9 - ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو رواية عن أبي حنيفة ذكرها الطّحاويّ ‏"‏ إلى أنّ العبرة في إقامة الحدّ بقيمة المسروق حين إخراجه من الحرز، وبلوغه نصاباً، فإن نقصت قيمة المسروق بعد ذلك لم يسقط القطع‏.‏

وعند الحنفيّة‏:‏ قال الحصكفيّ‏:‏ تعتبر القيمة وقت السّرقة ووقت القطع ومكانه بتقويم عدلين لهما معرفة بالقيمة، ولا قطع عند اختلاف المقوّمين‏.‏

وقال الكاسانيّ‏:‏ إنّ نقصان السّعر يورث شبهة نقصان في المسروق وقت السّرقة، لأنّ العين بحالها قائمة لم تتغيّر، وتغيّر السّعر ليس بمضمون على السّارق أصلاً، فيجعل النّقصان الطّارئ كالموجود عند السّرقة‏.‏

البيع بالسّعر المكتوب على السّلعة

10 - ذهب الأكثرون إلى منع البيع بالسّعر المكتوب على السّلعة إذا جهله العاقدان أو أحدهما‏.‏ وأجازه بعض الفقهاء‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏رقم‏)‏‏.‏

سَعْي

التّعريف

1 - السّعي لغةً‏:‏ من سعى يسعى سعياً‏:‏ أي‏:‏ قصد أو عمل أو مشى، أو عدا‏.‏

ويستعمل كثيراً في المشي‏.‏

ووردت المادّة في القرآن بما يفيد معنى الجدّ في المشي، كقوله تعالى في صلاة الجمعة‏:‏

‏{‏فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ‏}‏‏.‏

2 - والسّعي في الاصطلاح‏:‏ قطع المسافة الكائنة بين الصّفا والمروة سبع مرّات ذهاباً وإياباً بعد طواف في نسك حجّ أو عمرة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الطّواف‏:‏

3 - الطّواف هو الدّوران حول الكعبة على الصّفة المعروفة‏.‏ واستعمل أيضاً بمعنى السّعي في نصّ القرآن‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏‏.‏ أي‏:‏ يسعى‏.‏

وفي الأحاديث كحديث جابر‏:‏ «حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة» أي‏:‏ آخر سعي النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وتقدّم الطّواف شرط لصحّة السّعي‏.‏ أصل السّعي‏:‏

4 - الأصل في مشروعيّة السّعي الكتاب والسّنّة‏.‏ أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ‏}‏ الآية‏.‏

وأمّا السّنّة فما ورد من «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سعى في حجّه بين الصّفا والمروة وقال‏:‏ اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السّعي»‏.‏

وقد وضعت الشّريعة السّعي على مثال «سعي السّيّدة هاجر عندما سعت بينهما سبع مرّات لطلب الماء لابنها» كما في حديث البخاريّ عن ابن عبّاس مرفوعاً، وفي آخره قال ابن عبّاس‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «فذلك سعي النّاس بينهما»‏.‏

الحكم التّكليفيّ

5 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المعتمد عندهم إلى أنّ السّعي ركن من أركان الحجّ والعمرة، لا يصحّان بدونه‏.‏ وهو قول عائشة وعروة بن الزّبير‏.‏

وذهب الحنفيّة والحنابلة في رواية إلى أنّ السّعي واجب في الحجّ والعمرة، وليس بركن فيهما، فمن تركه لغير عذر وجب عليه الدّم، وإن تركه لعذر فلا شيء عليه، وهو مرويّ عن الحسن البصريّ وسفيان الثّوريّ‏.‏

وروي عن أحمد بن حنبل أنّه سنّة لا يجب بتركه دم، وروي ذلك عن ابن عبّاس وأنس، وابن الزّبير وابن سيرين‏.‏

وسبب الخلاف أنّ الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ لم تصرّح بحكم السّعي، فآل الحكم إلى الاستدلال بالسّنّة وبحديث‏:‏ «اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السّعي»‏.‏ وفي الصّحيحين عن «أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال‏:‏ قدمت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال‏:‏ بما أهللت‏؟‏ قلت‏:‏ أهللت بإهلال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ هل سقت من هدي‏؟‏ قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فطف بالبيت وبالصّفا والمروة، ثمّ حلّ»‏.‏ فاستدلّ بذلك المالكيّة والشّافعيّة ومن وافقهم على الفرضيّة، لأنّ ‏"‏ كتب ‏"‏ بمعنى فرض، ولأنّه صلى الله عليه وسلم أمر أبا موسى بالسّعي ورتّب عليه الحلّ فيكون فرضاً‏.‏

واستدلّ به الحنفيّة على الوجوب، لأنّه كما قال الكمال بن الهمام‏:‏ ‏"‏ مثله لا يزيد على إفادة الوجوب، وقد قلنا به‏.‏ أمّا الرّكن فإنّما يثبت عندنا بدليل مقطوع به‏.‏ فإثباته بهذا الحديث إثبات بغير دليل ‏"‏‏.‏ يعني بغير دليل يصلح لإثبات الرّكنيّة‏.‏ واستدلّ للقول بالسّنّيّة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏‏.‏ ونفي الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه، فإنّ هذا رتبة المباح، وإنّما تثبت سنّيّته بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِن شَعَآئِرِ اللّهِ‏}‏‏.‏

صفة السّعي

6 - بعد انتهاء الحاجّ أو المعتمر من الطّواف يتوجّه إلى الصّفا ليبدأ السّعي منها، فيرقى على الصّفا، ويستقبل الكعبة المشرّفة، ويوحّد اللّه ويكبّره، ويأتي بالذّكر الوارد، ثمّ يسير متوجّهاً إلى المروة، فإذا حاذى الميلين ‏"‏ العمودين ‏"‏ الأخضرين اللّذين في جدار المسعى اشتدّ وأسرع ما استطاع، وهكذا إلى العمودين التّاليين الأخضرين، ثمّ يمشي المشي المعتاد حتّى يصل إلى المروة فيصعد عليها‏.‏ ويوحّد ويكبّر كما فعل على الصّفا، وهذا شوط واحد‏.‏ ثمّ يشرع في الشّوط الثّاني فيتوجّه من المروة إلى الصّفا، حتّى إذا حاذى العمودين الأخضرين اشتدّ وأسرع كثيراً حتّى يصل إلى العمودين التّاليين، ثمّ يمشي المشي المعتاد، إلى أن يصل إلى الصّفا فيرقى عليها، ويستقبل الكعبة، ويوحّد اللّه ويكبّره، يدعو كما فعل أوّلاً، وهذا شوط ثان، ثمّ يعود إلى المروة وهكذا حتّى يعدّ سبعة أشواط ينتهي آخرها عند المروة‏.‏ فإن كان معتمراً فقط أو متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ، فقد قضى عمرته ويحلق أو يقصّر، ويتحلّل التّحلّل الكامل‏.‏ وإن كان مفرداً للحجّ أو قارناً فلا يحلق ولا يقصّر، بل يظلّ محرماً، حتّى يتحلّل بأعمال يوم النّحر‏.‏‏(‏ر‏:‏ إحرام ف /123 - 126 وحجّ،ف /82‏)‏‏.‏

ركن السّعي

7 - ذهب الجمهور إلى أنّ السّعي ركن في الحجّ أو العمرة، قالوا‏:‏ إنّ القدر الّذي لا يتحقّق السّعي بدونه‏:‏ سبعة أشواط يقطعها بين الصّفا والمروة، لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولإجماع الأمّة سلفاً فخلفاً على السّعي كذلك‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يكفي لإسقاط الواجب أربعة أشواط، لأنّها أكثر السّعي، وللأكثر حكم الكلّ، فلو سعى أقلّ من أربعة أشواط فعليه دم عند الحنفيّة، لأنّه لم يؤدّ الواجب، أمّا عند الجمهور فيجب عليه العود لأداء ما نقص ولو كان خطوةً، ولا يتحلّل من إحرامه إلاّ بذلك‏.‏ ويحصل الرّكن بكون السّعي بين الصّفا والمروة في الأشواط المفروضة، سواء كان بفعل نفسه أو بفعل غيره، ولا يشترط الرّقيّ عليهما‏.‏ بل يكفي أن يلصق عقبيه بهما، وكذا عقبي حافر دابّته إذا كان راكباً، وهذا هو الأحوط، أو يلصق عقبيه في الابتداء بالصّفا وأصابع رجليه بالمروة، وفي الرّجوع عكسه، وهذا هو الأظهر‏.‏

لكن تصويرهما إنّما كان يتصوّر في العهد الأوّل، حيث يوجد كلّ من الصّفا والمروة مرتفعًا عن الأرض، وأمّا في هذا الزّمان فلكونه قد دفن كثير من أجزائهما لا يمكن حصول ما ذكر فيهما، فيكفي المرور فوق أوائلهما‏.‏

ثمّ هذا فرض عند الجميع، وهو الظّاهر في تحقيق مذهب الحنفيّة في الأشواط الأربعة الّتي هي ركن الطّواف الواجب عندهم‏.‏

شروط السّعي

8 - أ - أن يكون السّعي بعد طواف صحيح‏:‏ ولو نفلاً عند الحنفيّة‏.‏ وكذا المالكيّة‏.‏ وسمّوا ذلك ترتيباً للسّعي‏.‏

لكن المالكيّة فصلوا بين الشّرط والواجب في سبق الطّواف للسّعي، فقالوا‏:‏ يشترط سبق الطّواف أيّ طواف ولو نفلاً، لصحّة السّعي، لكن يجب في هذا السّبق أن يكون الطّواف فرضاً ‏"‏ ومثله الواجب ‏"‏ ونوى فرضيّته أو اعتقدها‏.‏

وطواف القدوم واجب عندهم فيصحّ تقديم السّعي على الوقوف بعد طواف القدوم‏.‏

فلو سعى بعد طواف نفل فلا شيء عليه عند الحنفيّة‏.‏

أمّا عند المالكيّة فلو كان الطّواف نفلًا أو نوى سنّيّته، أو أطلق الطّواف ولم يستحضر شيئاً، أو كان يعتقد عدم وجوبه لجهله، فإنّه يعيد الطّواف وينوي فرضيّته أو وجوبه إن كان واجباً ثمّ يعيد السّعي ما دام بمكّة، أمّا إذا سافر إلى بلده فعليه دم‏.‏

ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه يشترط أن يكون السّعي بعد طواف ركن أو قدوم، ولا يخلّ الفصل بينهما، لكن بحيث لا يتخلّل بين طواف القدوم والسّعي الوقوف بعرفة، فإن تخلّل بينهما الوقوف بعرفة لم يجزه السّعي إلاّ بعد طواف الإفاضة‏.‏

دليل الجميع «فعله صلى الله عليه وسلم فإنّه قد سعى بعد الطّواف»، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لتأخذوا مناسككم»، وبإجماع المسلمين‏.‏

وروي عن عطاء عدم اشتراط تقدّم الطّواف‏.‏ وفي رواية عن أحمد‏:‏ لو سعى قبل الطّواف ناسياً أجزأه‏.‏

9 - ب - التّرتيب بين الصّفا والمروة بأن يبدأ بالصّفا فالمروة، حتّى يختم سعيه بالمروة، اتّفاقاً بينهم‏.‏

فلو بدأ بالمروة لغا هذا الشّوط واحتسب الأشواط ابتداءً من الصّفا، وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم كما سبق في حديث جابر، وقوله‏:‏ «أبدأ بما بدأ اللّه به، فبدأ بالصّفا»، وروي الحديث بصيغة الأمر «ابدءوا بما بدأ اللّه به»‏.‏

10 - ج - النّيّة عند الحنابلة خاصّة، على ما في المذهب والمقرّر، وصوّبه المرداويّ، وظاهر كلام الأكثر خلافهما كما في الفروع‏.‏

وقت السّعي الأصليّ

11 - وقت السّعي الأصليّ هو يوم النّحر بعد طواف الزّيارة لا بعد طواف القدوم، لأنّ ذلك سنّة، والسّعي واجب، فلا ينبغي أن يجعل الواجب تبعاً للسّنّة، فأمّا طواف الزّيارة ففرض، والواجب يجوز أن يجعل تبعاً للفرض‏.‏ إلاّ أنّه خصّ في السّعي بعد طواف القدوم، جعل ذلك وقتًا له ترفيهًا للحاجّ وتيسيراً عليه، لازدحام الاشتعال له يوم النّحر‏.‏

فأمّا وقته الأصليّ فيوم النّحر عقيب طواف الزّيارة، وتقدّم طواف القدوم ليس شرطاً عند الحنفيّة، بل الشّرط سبق السّعي بالطّواف ولو نفلاً‏.‏

وقريب من ذلك مذهب الجمهور‏.‏ إلاّ أنّ المالكيّة شرطوا لعدم وجوب الدّم أن يكون بعد طواف واجب ونوى وجوبه، وطواف القدوم عندهم واجب‏.‏

وخصّ الشّافعيّة والحنابلة وقت السّعي أنّه بعد طواف ركن أو قدوم‏.‏

هذا كلّه بالنّسبة للحاجّ المفرد الآفاقيّ، فإنّه يشرع له طواف القدوم‏.‏

أمّا المكّيّ المفرد ومثله المتمتّع الآفاقيّ فليس لهما طواف قدوم، لأنّهما يحرمان بالحجّ من مكّة، فلا يقدّمان السّعي عند الجمهور، إلاّ عند المالكيّة فيمكن لهما أن يطوفا نفلاً ويسعيا بعده ويلزمهما دم‏.‏

أمّا عند الحنفيّة فيمكن لهما أن يفعلا ذلك ولا شيء عليهما‏.‏

تكرّر السّعي للقارن

12 - القارن عند الحنفيّة يطوف طوافين ويسعى سعيين‏.‏ فيبدأ بطواف العمرة ثمّ سعيها، ثمّ يطوف للقدوم ويسعى للحجّ إن أراد تقديم سعي الحجّ عندهم‏.‏

أمّا عند الجمهور فحكمه كالمفرد، لأنّه يطوف طوافاً واحداً، ويسعى سعياً واحداً يجزئان لحجّه وعمرته‏.‏ واستدلّوا «بفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة الّذين كانوا قارنين معه في حجّته حيث إنّهم سعوا سعياً واحداً»‏.‏

حكم تأخّر السّعي عن طواف الزّيارة

13 - ذهب الجمهور إلى أنّه لا يتحلّل المحرم من إحرامه إلاّ بالعود للسّعي ولو نقص خطوةً واحدةً، ويظلّ محرماً في حقّ النّساء حتّى يرجع ويسعى مهما بعد مكانه، وذلك لقولهم بركنيّة السّعي‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ مصطلح حجّ ف /56 و 125‏)‏‏.‏ ولا شيء عليه بتأخير السّعي مهما طال الأمد‏.‏ ويرجع بإحرامه المتبقّي، دون حاجة لإحرام جديد‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا تأخّر السّعي عن وقته الأصليّ - وهو أيّام النّحر بعد طواف الزّيارة - فإن كان لم يرجع إلى أهله فإنّه يسعى ولا شيء عليه، لأنّه أتى بما وجب عليه، ولا يلزمه بالتّأخير شيء، لأنّه فعله في وقته الأصليّ وهو ما بعد طواف الزّيارة‏.‏ ولا يضرّه إن كان قد جامع، لوقوع التّحلّل الأكبر عند الحنفيّة بطواف الزّيارة، إذ السّعي ليس بركن حتّى يمنع التّحلّل، وإذا صار حلالاً بالطّواف فلا فرق بين أن يسعى قبل الجماع أو بعده، غير أنّه لو كان بمكّة يسعى ولا شيء عليه لما قلنا، وإن كان رجع إلى أهله فعليه دم لتركه السّعي بغير عذر‏.‏ وإن أراد أن يعود إلى مكّة فإنّه يعود بإحرام جديد، لأنّ إحرامه الأوّل قد ارتفع بطواف الزّيارة، لوقوع التّحلّل الأكبر به، فيحتاج إلى تجديد الإحرام، إذا عاد وسعى يسقط عنه الدّم لأنّه تدارك التّرك‏.‏

قال محمّد بن الحسن‏:‏ الدّم أحبّ إليّ من الرّجوع، لأنّ فيه منفعة الفقراء، والنّقصان ليس بفاحش‏.‏

وهذا المذكور عن الحنفيّة ينطبق على القول بالوجوب عند الحنابلة‏.‏

واجبات السّعي

14 - أ - المشي بنفسه للقادر عليه، وهذا عند المالكيّة والحنفيّة، وعند الشّافعيّة والحنابلة هو سنّة‏.‏ فلو سعى راكباً أو محمولاً أو زحفاً بغير عذر صحّ سعيه باتّفاقهم جميعاً، لكن عليه الدّم عند الحنفيّة والمالكيّة، لتركه المشي في السّعي بغير عذر، وهو واجب عندهم، أو إعادة السّعي‏.‏

ولا يلزمه شيء عند الشّافعيّة والحنابلة ولو مشى بغير عذر، لأنّ المشي في السّعي سنّة عندهم‏.‏

بل صرّح الشّافعيّة بأنّ الأفضل أن لا يركب في سعيه إلاّ لعذر كما سبق في الطّواف، لأنّ المشي أشبه بالتّواضع‏.‏ واتّفقوا على أنّ السّعي راكبًا ليس بمكروه لكنّه خلاف الأفضل‏.‏ ولو سعى به غيره محمولاً جاز، لكن الأولى سعيه بنفسه إن لم يكن صبيّاً صغيراً أو له عذر كمرض ونحوه‏.‏

15 - ب - إكمال الأشواط الثّلاثة الأخيرة عند الحنفيّة، لأنّ الأقلّ من السّبعة واجب عند الحنفيّة، فلو ترك الأقلّ وهو ثلاثة أشواط فما دون ذلك صحّ سعيه وعليه صدقة لكلّ شوط عندهم‏.‏ أمّا الجمهور فكلّ هذه الأشواط السّبعة ركن عندهم لا يجوز أن تنقص ولو خطوةً‏.‏

سنن السّعي ومستحبّاته

16 - أ - الموالاة بين الطّواف والسّعي‏:‏ فلو فصل بينهما بفاصل طويل بغير عذر فقد أساء ويسنّ له الإعادة، ولو لم يعد لا شيء عليه اتّفاقاً‏.‏

ودليل الفقهاء على ذلك الاعتبار بتأخير الطّواف الرّكن عن الوقوف، فإنّه يجوز تأخيره عنه سنين كثيرةً ولا آخر له ما دام حيًّا بلا خلاف فيه عند الحنفيّة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ طواف ف /9، وحجّ ف /140 - 142‏)‏‏.‏

وملحظهم فيه أنّه أدّاه في وقته الأصليّ، وهو ما بعد طواف الإفاضة‏.‏

17 - ب - النّيّة‏:‏ هي سنّة في السّعي عند الجمهور، والرّاجح عند الحنفيّة، وقيل عند الحنفيّة إنّها مستحبّة‏.‏ خلافاً للحنابلة القائلين باشتراطها‏.‏

قال عليّ القاريّ‏:‏ولعلّهم أدرجوا فيه السّعي في ضمن التزام الإحرام بجميع أفعال المحرم به‏.‏ فلو مشى من الصّفا إلى المروة هارباً أو بائعاً أو متنزّهاً أو لم يدر أنّه سعى جاز سعيه‏.‏ وهذه توسعة عظيمة، كعدم شرط نيّة الوقوف بعرفة ‏.‏

18 - ج - أن يستلم الحجر الأسود بعد ركعتي الطّواف قبل الذّهاب إلى السّعي، إن تيسّر له استلام الحجر، وإلاّ أشار إليه، فيكون الاستلام بمثابة وصلة بين الطّواف والسّعي‏.‏

19 - د - يستحبّ أن يسعى على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر والنّجاسة، ولو خالف صحّ سعيه‏.‏ ففي الحديث الصّحيح عن عائشة رضي الله عنها «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها لمّا حاضت‏:‏ افعلي كما يفعل الحاجّ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتّى تطهري» متّفق عليه‏.‏ وهو يدلّ دلالةً صريحةً على جواز السّعي بغير طهارة‏.‏

20 - هـ - أن يصعد على الصّفا والمروة كلّما بلغهما في سعيه بحيث يستقبل الكعبة، وقدّره النّوويّ في المجموع بقدر قامة‏.‏

وهذا الصّعود مستحبّ عند الشّافعيّة والحنابلة وخصّوا به الرّجال دون النّساء‏.‏

21 - و - الدّعاء‏:‏ عند صعود الصّفا والمروة وفي السّعي بينهما، جعله الحنفيّة من المستحبّات‏.‏ على تفصيل سيأتي‏.‏

22 - ز - السّعي الشّديد بين الميلين الأخضرين‏:‏ وهما العمودان الأخضران اللّذان في جدار المسعى الآن، وهو سنّة في الأشواط السّبعة، ويستحبّ أن يكون فوق الرّمَل ودون العدْو‏.‏ والسّنّة أن يمشي فيما سوى ذلك‏.‏ فقد «كان صلى الله عليه وسلم يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصّفا والمروة»‏.‏ متّفق عليه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يسنّ الخبب في الذّهاب من الصّفا إلى المروة فقط، ولا يسنّ في الإياب‏.‏ وسنّيّة السّعي الشّديد هذه تختصّ بالرّجال دون النّساء، لأنّ مبنى حالهنّ على السّتر، فالسّنّة في حقّهنّ المشي فقط‏.‏

23 - ح - الموالاة بين أشواط السّعي‏:‏ وسنّيّتها مذهب الجمهور، خلافاً للمالكيّة والحنابلة في المعتمد، قد جعلوا الموالاة بين أشواط السّعي شرطاً لصحّة السّعي‏.‏

وبناءً على ذلك فصّل المالكيّة فقالوا‏:‏

أولاً‏:‏ إن جلس في سعيه وكان شيئاً خفيفاً أجزأه، وإن كان لا ينبغي له ذلك‏.‏

وإن طال جلوسه وصار كالتّارك بأن كثر التّفريق ابتدأ السّعي من جديد‏.‏

ثانياً‏:‏ لا ينبغي له أن يبيع أو يشتري أو يقف مع أحد ويحدّثه، فإن فعل وكان خفيفاً لم يضرّ وإن كان مكروهاً، فإن كثر ابتدأ السّعي من جديد‏.‏

ثالثاً‏:‏ إن أصابه حقن توضّأ وبنى على ما سبق ولم يعد‏.‏

رابعاً‏:‏ إن أقيمت عليه الصّلاة تمادى إلاّ أن يضيق وقت الصّلاة فليصلّ، ثمّ يبني على ما مضى له‏.‏

وكلّ ذلك لا يضرّ عند الجمهور قلّ أو كثر، لكنّه يكره، ويستثنى من الكراهة أن يقطع السّعي لإقامة الصّلاة المكتوبة بالجماعة، ولصلاة الجنازة، كما في الطّواف، بل هو هنا أولى‏.‏

24 - ط - ذهب الشّافعيّة إلى سنّيّة الاضطباع في السّعي قياساً على الطّواف‏.‏

25 - ي - استحبّ الحنفيّة إذا فرغ من السّعي أن يدخل المسجد فيصلّي ركعتين، ليكون ختم السّعي كختم الطّواف، كما ثبت أنّ مبدأه بالاستلام كمبدئه‏.‏

وللشّافعيّة قولان في هاتين الرّكعتين‏.‏ قال الجوينيّ‏:‏ ‏"‏ حسن وزيادة طاعة ‏"‏‏.‏

وقال ابن الصّلاح‏:‏ ‏"‏ ينبغي أن يكره ذلك لأنّه ابتداع شعار ‏"‏‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ ‏"‏ وهذا الّذي قاله ابن الصّلاح أظهر واللّه أعلم ‏"‏‏.‏

مباحات السّعي

26 - يباح في السّعي ما يباح في الطّواف، بل هو أولى‏.‏ ومن ذلك‏:‏

أ - الكلام المباح الّذي لا يشغله‏.‏

ب - الأكل والشّرب‏.‏

ج - الخروج منه لأداء مكتوبة، أو صلاة جنازة، على خلاف للمالكيّة‏.‏

مكروهات السّعي

27 - أ - البيع والشّراء والحديث، إذا كان شيء منها على وجه يشغله عن الحضور، ويدفعه عن الذّكر والدّعاء، أو يمنعه عن الموالاة‏.‏

28 - ب - تأخير السّعي عن وقته المختار تأخيراً كثيراً من غير عذر، بإبعاده كثيراً من الطّواف‏.‏

ووردت جملة من الأدعية والأذكار المأثورة في السّعي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعن بعض الصّحابة منها ما يلي‏:‏

29 - أ - عند التّوجّه إلى الصّفا للسّعي يذهب من أيّ باب يتيسّر له، ويقرأ هذه الآية‏:‏

‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ‏}‏ وكذلك عندما يبلغ المروة آخر كلّ شوط‏.‏

«لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك»‏.‏

30 - ب - إذا صعد على الصّفا وقف عليه بحيث يرى الكعبة المعظّمة، وكذلك إذا صعد على المروة توجّه إلى القبلة وذكر ودعا كما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويسنّ أن يطيل القيام، ويقول كما ورد في صحيح مسلم عن جابر‏:‏ «فاستقبل القبلة فوحّد اللّه وكبّره، وقال‏:‏ لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلاّ اللّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده‏.‏ ثمّ دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرّات‏.‏‏.‏‏.‏ حتّى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصّفا»‏.‏

31 - ج - ورد من الدّعاء على الصّفا‏:‏ «اللّهمّ إنّك قلت ‏{‏ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏، وإنّك لا تخلف الميعاد، وإنّي أسألك كما هديتني للإسلام ألاّ تنزعه منّي حتّى تتوفّاني وأنا مسلم»‏.‏ «اللّهمّ اعصمنا بدينك وطواعيتك، وطواعية رسولك، وجنّبنا حدودك‏.‏ اللّهمّ اجعلنا نحبّك ونحبّ ملائكتك وأنبياءك ورسلك، ونحبّ عبادك الصّالحين‏.‏ اللّهمّ يسّرنا لليسرى وجنّبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، واجعلنا من أئمّة المتّقين»‏.‏

32 - د - عند الهبوط من الصّفا ورد هذا الدّعاء‏:‏ «اللّهمّ أحيني على سنّة نبيّك، وتوفّني على ملّته، وأعذني من مضلّات الفتن برحمتك يا أرحم الرّاحمين»‏.‏

33 - هـ - عند السّعي الشّديد بين الميلين الأخضرين‏:‏ «ربّ اغفر وارحم، إنّك أنت الأعزّ الأكرم»‏.‏

34 - و - عند الاقتراب من المروة يقرأ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ‏}‏‏.‏

ثمّ يرقى على المروة ويقف مستقبل القبلة ويأتي من الذّكر والدّعاء كما عند الصّفا، وكذلك عندما يهبط من المروة يدعو بما سبق عند الهبوط من الصّفا، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل على المروة كما فعل على الصّفا»‏.‏ كما سبق في الحديث‏.‏

ولم يثبت في الحديث شيء من الأدعية والأذكار يوزّع على أشواط السّعي ويخصّ كلّ شوط بدعاء، إنّما وزّع العلماء عليها أدعيةً من المأثور في السّعي ومن غيره إرشاداً للنّاس، وتسهيلاً عليهم لإحصاء أشواط السّعي‏.‏

وهو سنّة بغير تحديد عند المالكيّة، وجعل الحنفيّة الدّعاء في السّعي من المستحبّات‏.‏

ويجتهد في الذّكر والدّعاء بأنواع الأذكار والأدعية في السّعي كلّه، فإنّ ذلك مقصود عظيم، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما جعل رمي الجمار والسّعي بين الصّفا والمروة لإقامة ذكر اللّه»‏.‏

َ سُفْتَجَة

التّعريف

1 - السّفتجة بضمّ السّين وفتحها، وفتح التّاء فارسيّ معرّب‏.‏

قال في القاموس‏:‏ السّفتجة كَقُرْطَقَةٍ، أن يعطي شخص مالاً لآخر، وللآخر مال في بلد المعطِي فيوفّيه إيّاه ثَمَّ‏.‏ فيستفيد أمن الطّريق‏.‏

والسّفتجة اصطلاحاً كما قال ابن عابدين‏:‏ إقراض لسقوط خطر الطّريق‏.‏

وفي الدّسوقيّ‏:‏ هي الكتاب الّذي يرسله المقترض لوكيله ببلد ليدفع للمقرض نظير ما أخذه منه ببلده وهي المسمّاة بالبالوصة‏.‏

هل السّفتجة قرض أو حوالة‏؟‏

2 - السّفتجة تشبه الحوالة باعتبار أنّ المقترض يحيل المقرض إلى شخص ثالث فكأنّه نقل دين المقرض من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه، والحوالة لا تخرج عن كونها نقل الدّين من ذمّة إلى ذمّة‏.‏

لكن جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة - اعتبروها من باب القرض، لأنّ الكلام في القرض الّذي يجرّ منفعةً هل هو جائز أو غير جائز، أمّا الحوالة فهي في دين ثبت في الذّمّة فعلاً‏.‏

وقد ذكرها بعض فقهاء الحنفيّة كالحصكفيّ والمرغينانيّ في آخر باب الحوالة مع ذكرها في باب القرض أيضاً‏.‏

وقال ابن الهمام والبابرتيّ‏:‏ أورد القدوريّ هذه المسألة هنا لأنّها معاملة في الدّيون كالكفالة والحوالة، وقال الكرمانيّ‏:‏ هي في معنى الحوالة لأنّه أحال الخطر المتوقّع على المستقرض وهذا ما قاله الحصكفيّ‏:‏ قال‏:‏ السّفتجة‏:‏ إقراض لسقوط خطر الطّريق، فكأنّه أحال الخطر المتوقّع على المستقرض فكان في معنى الحوالة - قال ابن عابدين وفي نظم الكنز لابن الفصيح‏:‏ وكرهت سفاتج الطّريق وهي إحالة على التّحقيق، قال شارحه المقدسيّ‏:‏ لأنّه يحيل صديقه عليه أو من يكتب إليه‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - القرض من القرب المندوب إليها، وهو من باب المعروف، شرع للتّعاون بين النّاس وتفريج كرب المحتاجين بما يبذله المقرض للمستقرض المحتاج، وهو لا يطلب من وراء ذلك سوى الثّواب من اللّه سبحانه وتعالى، فإذا طلب المقرض من وراء إقراضه نفعاً خاصّاً له من المستقرض فقد خرج بذلك عن موضوع القرض لأنّه عقد إرفاق وقربة، ولذلك يحرم إذا كان يجلب نفعاً للمقرض وخاصّةً إذا شرط ذلك في عقد القرض، كأن يشترط المقرض زيادةً عمّا أقرض أو أجود منه، لأنّ ذلك من باب الرّبا، ومن القواعد المعروفة‏:‏ أنّ كلّ قرض جرّ منفعةً فهو حرام، روى ذلك عن أبيّ بن كعب وابن عبّاس وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - ورواه ابن أبي شيبة في مصنّفه عن الصّحابة والسّلف‏.‏ قال‏:‏ حدّثنا خالد الأحمر عن حجّاج عن عطاء قال‏:‏ كانوا يكرهون كلّ قرض جرّ منفعةً‏.‏

ومن الصّور الّتي قد تجلب نفعاً للمقرض ما يسمّى بالسّفتجة وصورتها‏:‏ أن يقرض شخص غيره - تاجراً أو غير تاجر - في بلد ويطلب من المستقرض أن يكتب له كتاباً يستوفى بموجبه بدل القرض في بلد آخر من شريك المقترض أو وكيله‏.‏

والنّفع المتوقّع هنا هو أن يستفيد المقرض دفع خطر الطّريق، إذ قد يخشى لو سافر بأمواله أن يسطو عليه اللّصوص وقطّاع الطّرق فيلجأ إلى هذه الحيلة ليستفيد من وراء هذا القرض دفع الخطر المتوقّع في الطّريق‏.‏

والحكم في ذلك يختلف، لأنّه إمّا أن يكون الكتاب الّذي يكتبه المستقرض لوكيله ‏"‏ وهو السّفتجة ‏"‏ مشروطاً في عقد القرض أو غير مشروط‏.‏

فإن كان ذلك مشروطاً في عقد القرض فهو حرام والعقد فاسد، لأنّه قرض جرّ نفعاً فيشبه الرّبا، لأنّ المنفعة فضل لا يقابله عوض، وهذا عند جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والشّافعيّة وبعض فقهاء المالكيّة ورواية عن أحمد ‏"‏ وذكر ابن عبد البرّ أنّ مالكاً كره العمل بالسّفاتج بالدّنانير والدّراهم ولم يحرّمها، وأجاز ذلك طائفة من أصحابه وجماعة من أهل العلم، وقد روي عن مالك أيضاً أنّه لا بأس بذلك، والأشهر عنه كراهيته لمّا استعمله النّاس من أمر السّفاتج‏.‏

وفي رواية عن أحمد جوازها لكونها مصلحةً لهما جميعاً، وقال عطاء كان ابن الزّبير يأخذ من قوم بمكّة دراهم ثمّ يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزّبير بالعراق فيأخذونها منه فسئل عن ذلك ابن عبّاس - رضي الله عنهما - فلم ير به بأساً، وممّن لم ير به بأساً‏:‏ ابن سيرين والنّخعيّ، رواه كلّه سعيد بن منصور‏.‏

وذكر القاضي من الحنابلة أنّ للوصيّ قرض مال اليتيم في بلد أخرى ليربح خطر الطّريق، والصّحيح جوازه، لأنّه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما‏.‏

والشّرع لا يرد بتحريم المصالح الّتي لا مضرّة فيها بل بمشروعيّتها، ولأنّ هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة‏.‏

غير أنّ المالكيّة استثنوا ما إذا عمّ الخوف جميع طرق المحلّ الّتي يذهب المقرض منها إليه، فإذا كان الخوف على النّفس أو المال غالباً لخطر الطّريق فلا حرمة في العمل بالسّفتجة بل يندب ذلك تقديمًا لمصلحة حفظ النّفس والمال على مضرّة سلف جرّ نفعاً، كما أنّه يجوز ذلك عندهم إذا كان فيه نفع للمقترض أو كان المتسلّف هو الّذي طلب ذلك‏.‏

وإن كان المقترض هو الّذي كتب السّفتجة من غير شرط من المقرض بذلك جاز ذلك باتّفاق لأنّه من حسن القضاء، وقد «استسلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم من رجل بكراً فقدمت عليه إبل الصّدقة، فأمر أبا رافع أن يقضى الرّجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال‏:‏ لم أجد فيها إلاّ خياراً رباعيّاً فقال‏:‏ أعطه إيّاه، إنّ خيار النّاس أحسنهم قضاءً»‏.‏

ورخّص في ذلك ابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن والنّخعيّ والشّعبيّ والزّهريّ ومكحول وقتادة وإسحاق‏.‏

سَفَر

التّعريف

1 - السّفر لغةً قطع المسافة البعيدة‏.‏ يقال ذلك إذا خرج للارتحال‏.‏

قال الفيّوميّ‏:‏ وقال بعض المصنّفين أقلّ السّفر يوم‏.‏

والجمع أسفار، ورجل مسافر، وقوم سفر وأسفار وسفّار، وأصل المادّة الكشف‏.‏

وسمّي السّفر سفراً لأنّه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيظهر ما كان خافياً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ السّفر هو الخروج على قصد قطع مسافة القصر الشّرعيّة فما فوقها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحضر‏:‏

2 - الحضر بفتحتين والحضرة والحاضرة خلاف البادية، وهي المدن والقرى والرّيف، سمّيت بذلك لأنّ أهلها حضروا الأمصار ومساكن الدّيار الّتي يكون لهم بها قرار والحضر من النّاس ساكنو الحضر، والحاضر خلاف البادي والحضر من لا يصلح للسّفر‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

ب - الإقامة‏:‏

3 - من معاني الإقامة، الثّبوت في المكان، واتّخاذه وطناً، وهي ضدّ السّفر‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - قسّم الحنفيّة السّفر من حيث حكمه إلى ثلاثة أقسام‏:‏ سفر طاعة كالحجّ والجهاد، وسفر مباح كالتّجارة، وسفر معصية كقطع الطّريق وحجّ المرأة بلا محرم‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ السّفر على قسمين‏:‏ سفر طلب، وسفر هرب‏.‏ فسفر الهرب واجب‏.‏

وهو إذا كان في بلد يكثر فيه الحرام ويقلّ فيه الحلال فإنّه يجب عليه السّفر منه إلى بلد يكثر فيه الحلال‏.‏ وكذلك يجب الهروب من موضع يشاهد فيه المنكر من شرب خمر وغير ذلك من سائر المحرّمات إلى موضع لا يشهد فيه ذلك‏.‏ وكذلك يجب عليه الهرب من بلد أو موضع يذلّ فيه نفسه إلى موضع يعزّ فيه نفسه، لأنّ المؤمن عزيز لا يذلّ نفسه‏.‏ وكذلك يجب الهروب من بلد لا علم فيه إلى بلد فيه العلم‏.‏ وكذلك يجب الهروب من بلد يسمع فيه سبّ الصّحابة رضوان الله عليهم، ولا يخفى أنّ ذلك كلّه حيث لم يمكن الإنسان التّغيير والإصلاح‏.‏ وأمّا سفر الطّلب فهو على أقسام - ويوافقهم الشّافعيّة والحنابلة عليها - واجب كسفر حجّ الفريضة والجهاد إذا تعيّن‏.‏

ومندوب وهو ما يتعلّق بالطّاعة قربةً للّه سبحانه كالسّفر لبرّ الوالدين أو لصلة الرّحم أو طلب العلم أو للتّفكّر في الخلق، ومباح وهو سفر التّجارة، وممنوع وهو السّفر لمعصية اللّه تعالى‏.‏

ومثّل الشّافعيّة للسّفر المكروه بالّذي يسافر وحده، وسفر الاثنين أخفّ كراهةً وذلك لخبر أحمد وغيره «كره النّبيّ صلى الله عليه وسلم الوحدة في السّفر»‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الرّاكب شيطان والرّاكبان شيطانان والثّلاثة ركب»‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ السّفر لرؤية البلاد والتّنزّه فيها مباح‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّ السّياحة لغير موضع معيّن مكروه‏.‏

السّفر من عوارض الأهليّة

5 - السّفر من عوارض الأهليّة المكتسبة، وهو لا ينافي شيئاً من أهليّة الأحكام وجوباً وأداءً من العبادات وغيرها‏.‏ فلا يمنع وجوب شيء من الأحكام نحو الصّلاة والزّكاة والحجّ لبقاء القدرة الظّاهرة والباطنة بكمالها‏.‏ لكنّه جعل في الشّرع من أسباب التّخفيف بنفسه مطلقاً - يعني من غير نظر إلى كونه موجباً للمشقّة أو غير موجب لها، لأنّ السّفر من أسباب المشقّة في الغالب‏.‏ فلذلك اعتبر نفس السّفر سبباً للرّخص وأقيم مقام المشقّة‏.‏ وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

شروط السّفر

6 - يشترط في السّفر الّذي تتغيّر به الأحكام، ما يلي‏:‏

أ - أن يبلغ المسافة المحدّدة شرعاً‏:‏

7 - اختلف الفقهاء في مسافة السّفر الّذي تتغيّر به الأحكام، فذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ مسافة السّفر الّتي تتغيّر بها الأحكام أربعة برد‏.‏

لما روى ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «يا أهل مكّة لا تقصروا في أقلّ من أربعة برد من مكّة إلى عسفان» وكان ابن عمر وابن عبّاس - رضي الله عنهم - يقصران ويفطران في أربعة برد‏.‏ ذلك إنّما يفعل عن توقيف‏.‏ وكلّ بريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال هاشميّة‏.‏ فهي ثمانية وأربعون ميلاً، والفرسخ بأميال بنى أميّة ميلان ونصف، فالمسافة على هذا أربعون ميلاً‏.‏

والتّقدير بثمانية وأربعين ميلاً هو المشهور عند المالكيّة والشّافعيّة وعندهم أقوال ضعيفة بغير ذلك ولا تحسب من هذه المسافة مدّة الرّجوع اتّفاقاً‏.‏

فلو كانت ملفّقةً من الذّهاب والرّجوع لم تتغيّر الأحكام‏.‏ وهي باعتبار الزّمان مرحلتان، وهما سير يومين معتدلين أو يوم وليلة بسير الإبل المثقلة بالأحمال على المعتاد، مع النّزول المعتاد لنحو استراحة وأكل وصلاة‏.‏ قال الأثرم‏:‏ قيل لأبي عبد اللّه‏.‏ في كم تقصر الصّلاة‏؟‏ قال‏:‏ في أربعة برد‏.‏ قيل له‏:‏ مسيرة يوم تامّ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏:‏ أربعة برد، ستّة عشر فرسخاً، مسيرة يومين‏.‏ قال البهوتيّ‏:‏ وقد قدّره ابن عبّاس - رضي الله عنهما - من عسفان إلى مكّة، ومن الطّائف إلى مكّة، ومن جدّة إلى مكّة‏.‏

وقد صرّح المالكيّة بأنّ اليوم يعتبر من طلوع الشّمس لأنّه المعتاد للسّير غالباً لا من طلوع الفجر، وأنّ البحر كالبرّ في اشتراط المسافة المذكورة‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ إنّ البحر لا تعتبر فيه المسافة بل الزّمان وهو يوم وليلة، وقيل باعتبارها فيه كالبرّ وهو المعتمد، وعليه إذا سافر وبعض سفره في البرّ وبعض سفره في البحر فقيل يلفّق مسافة أحدهما لمسافة الآخر مطلقاً من غير تفصيل‏.‏ وقيل‏:‏ لا بدّ فيه من التّفصيل على ما مرّ وهو المعتمد‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه لا يضرّ قطع المسافة في زمن يسير، فلو قطع الأميال في ساعة مثلاً لشدّة جري السّفينة بالهواء ونحوه أو قطعها في البرّ في بعض يوم على مركوب جواد تغيّرت الأحكام في حقّه لوجود المسافة الصّالحة لتغيّر الأحكام، ولأنّه صدق عليه أنّه سافر أربعة برد‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ مسافة السّفر الّذي تتغيّر به الأحكام هو مسيرة ثلاثة أيّام، وقدّرها بعض مشايخ الحنفيّة بأقصر أيّام السّنة‏.‏

قال ابن عابدين نقلاً عن الحلية‏:‏ الظّاهر إبقاؤها على إطلاقها بحسب ما يصادفه من الوقوع فيها طولاً وقصراً واعتدالاً إن لم تقدّر بالمعتدلة الّتي هي الوسط‏.‏ ولا اعتبار عندهم بالفراسخ على المذهب‏.‏ قال في الهداية هو الصّحيح، احترازاً عن قول عامّة المشايخ في تقديرها بالفراسخ‏.‏ ثمّ اختلفوا، فقيل واحد وعشرون، وقيل ثمانية عشر، وقيل خمسة عشر والفتوى على الثّاني، لأنّه الأوسط، وفي المجتبى فتوى أئمّة خوارزم على الثّالث‏.‏

ثمّ إنّه لا يشترط سفر كلّ يوم إلى اللّيل بل يكفي إلى الزّوال، والمعتبر السّير الوسط‏.‏

قالوا‏:‏ ويعتبر في الجبل بما يناسبه من السّير، لأنّه يكون صعوداً وهبوطاً مضيقاً ووعراً فيكون مشي الإبل والأقدام فيه دون سيرها في السّهل‏.‏ وفي البحر يعتبر اعتدال الرّيح على المضيّ به، فيعتبر في كلّ ذلك السّير المعتاد فيه وذلك معلوم عند النّاس فيرجع إليهم عند الاشتباه‏.‏ وخرج سير البقر يجرّ العجلة ونحوه لأنّه أبطأ السّير، كما أنّ أسرعه سير الفرس والبريد، حتّى لو كانت المسافة ثلاثاً بالسّير المعتاد فسار إليها على الفرس جرياً حثيثاً فوصل في يومين أو أقلّ قصر‏.‏

ب - القصد‏:‏

8 - اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في السّفر الّذي تتغيّر به الأحكام قصد موضع معيّن عند ابتداء السّفر، فلا قصر ولا فطر لهائم على وجهه لا يدري أين يتوجّه، ولا لتائه ضالّ الطّريق، ولا لسائح لا يقصد مكاناً معيّناً‏.‏

وكذا لو خرج أمير مع جيشه في طلب العدوّ ولم يعلم أين يدركهم فإنّه يتمّ وإن طالت المدّة أو المكث ومثله طالب غريم وآبق يرجع متى وجده ولا يعلم موضعه وإن طال سفره‏.‏

وهذا فيمن كان مستقلّاً برأيه أمّا التّابع لغيره كالزّوجة مع زوجها، والجنديّ مع الأمير‏.‏ ففيه خلاف وتفصيل ينظر في ‏(‏صلاة المسافر‏)‏‏.‏

ج - مفارقة محلّ الإقامة‏:‏

9 - يشترط في السّفر الّذي تتغيّر به الأحكام مفارقة بيوت المصر فلا يصير مسافراً قبل المفارقة‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ ويشترط مفارقة ما كان من توابع موضع الإقامة كربض المصر‏.‏ وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن فإنّه في حكم المصر‏.‏ وكذا القرى المتّصلة بالرّبض في الصّحيح، بخلاف البساتين ولو متّصلةً بالبناء لأنّها ليست من البلدة‏.‏

ولو سكنها أهل البلدة في جميع السّنة أو بعضها، كما أنّه لا يعتبر سكنى الحفظة والأكرة اتّفاقاً‏.‏ وأمّا الفناء وهو المكان المعدّ لمصالح البلد كركض الدّوابّ، ودفن الموتى وإلقاء التّراب فإن اتّصل بالمصر اعتبرت مجاوزته لا إن انفصل بمزرعة بقدر ثلاثمائة إلى أربعمائة ذراع، والقرية المتّصلة بالفناء دون الرّبض لا تعتبر مجاوزتها على الصّحيح‏.‏

والمعتبر المجاوزة من الجانب الّذي خرج منه حتّى لو جاوز عمران المصر قصر، وإن كان بحذائه من جانب آخر أبنية‏.‏

واشترط المالكيّة مجاوزة البساتين إذا سافر من ناحيتها أو من غير ناحيتها وإن محاذياً لها، وإلاّ فيقصر بمجرّد مجاوزة البيوت‏.‏

وقال البنانيّ‏:‏ لا يشترط مجاوزة البساتين إلاّ إذا سافر من ناحيتها، وإن سافر من غير ناحيتها فلا تشترط مجاوزتها ولو كان محاذيًا لها إذ غاية البساتين أن تكون كجزء من البلد‏.‏ قال الدّسوقيّ‏:‏ مثل البساتين المسكونة القريتان اللّتان يرتفق أهل أحدهما بأهل الأخرى بالفعل‏.‏ وإلاّ فكلّ قرية تعتبر بمفردها‏.‏ وإذا كان بعض ساكنيها يرتفق بالبلد الأخرى كالجانب الأيمن دون الآخر فالظّاهر أنّ حكمها كلّها كحكم المتّصلة‏.‏

ثمّ إنّ العبرة عندهم بالبساتين المتّصلة ولو حكماً بأن يرتفق سكّانها بالبلد المسكونة بالأهل ولو في بعضه العامّ ارتفاق الاتّصال من نار وطبخ وخبز‏.‏

أمّا البساتين المنفصلة أو غير المسكونة فلا عبرة بها، ولا عبرة أيضًا بالحارس والعامل فيها‏.‏

ومذهب الشّافعيّة أنّه إذا كان للبلد سور فأوّل سفره مجاوزة سورها ولو متعدّدًا أو كان داخله مزارع أو خراب، إذ ما في داخل السّور معدود من نفس البلد محسوب من موضع الإقامة‏.‏ وإن كان لها بعضه سور وهو صوب مقصده اشترطت مجاوزته، ولو كان السّور متهدّماً وبقيت له بقايا اشترطت مجاوزته أيضاً وإلاّ فلا‏.‏ والخندق في البلدة الّتي لا سور لها كالسّور، وبعضه كبعضه، ولا أثر له مع وجود السّور‏.‏ ويلحق بالسّور تحويطة أهل القرى عليها بتراب ونحوه‏.‏ ولا تشترط مجاوزة العمارة وراء السّور في الأصحّ لعدم عدّها من البلد‏.‏ وإن لم يكن للبلد سور أصلاً، أو في جهة مقصده أو كان لها سور غير خاصّ بها وكقرى متفاصلة جمعها سور ولو مع التّقارب فأوّل سفره مجاوزة العمران ولو تخلّله خراب لا أصول أبنية به أو نهر وإن كان كبيراً فإنّه يشترط مجاوزته لكونه محلّ الإقامة، أمّا الخراب خارج العمران الّذي لم تبق أصوله أو هجروه بالتّحويط عليه أو اتّخذوه مزارع فلا تشترط مجاوزته، كما لا تشترط مجاوزة البساتين والمزارع على المعتمد وإن اتّصلت بما سافر منه، أو كانت محوطةً لأنّها لا تتّخذ للإقامة وسواء أكان بها قصور أم دور تسكن في بعض فصول السّنة أو لا‏.‏ وقد صرّحوا بأنّ القريتين المتّصلتين عرفاً كبلدة واحدة وإن اختلف اسمهما وإلاّ اكتفى بمجاوزة قرية المسافر‏.‏

ومذهب الحنابلة أنّه تشترط مفارقة بيوت قريته العامرة سواء كانت داخل السّور أو خارجه، فيقصر إذا فارقها بما يقع عليه اسم المفارقة بنوع البعد عرفاً، لأنّ اللّه تعالى إنّما أباح القصر لمن ضرب في الأرض‏.‏ وقبل مفارقته ما ذكر لا يكون ضارباً فيها ولا مسافراً، ولأنّ ذلك أحد طرفي السّفر أشبه حالة الانتهاء‏.‏

ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما كان يقصر إذا ارتحل»، ولا تعتبر مفارقة الخراب وإن كانت حيطانه قائمةً إن لم يله عامر فإن وليه عامر اعتبرت مفارقة الجميع‏.‏ وكذا لو جعل الخراب مزارع وبساتين يسكنه أهله ولو في فصل النّزهة فلا يقصر حتّى يفارقه‏.‏

ولو كانت قريتان متدانيتين واتّصل بناء إحداهما بالأخرى فهما كالواحدة وإن لم يتّصل فلكلّ قرية حكم نفسها‏.‏

وأمّا مساكن الخيام فقد صرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ أوّل سفره مجاوزة حلّته‏.‏ قال الشّافعيّة الحلّة بيوت مجتمعة أو متفرّقة بحيث يجتمع أهلها للسّمر في ناد واحد، ويستعير بعضهم من بعض‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ الحلّة منزل قومه، فالحلّة والمنزل بمعنًى واحد ومذهبهم أنّه تشترط مفارقة بيوت الحلّة ولو تفرّقت حيث جمعهم اسم الحيّ والدّار أو الدّار فقط بمعنى أنّه إذا جمعهم اسم الحيّ والدّار أو الدّار فقط فإنّه لا يقصر في هاتين الحالتين إلاّ إذا جاوز جميع البيوت‏.‏

وأمّا لو جمعهم اسم الحيّ فقط دون الدّار بأن كانت كلّ فرقة في دار فإنّها تعتبر كلّ دار على حدتها حيث كان لا يرتفق بعضهم ببعض وإلاّ فهم كأهل الدّار الواحدة‏.‏ وكذا إذا لم يجمعهم اسم الحيّ والدّار فإنّه يقصر إذا جاوز بيوت حلّته هو‏.‏ والمراد بالحيّ عندهم القبيلة، وبالدّار المنزل الّذي ينزلون فيه‏.‏ ومحلّ مجاوزة الحلّة عند الشّافعيّة حيث كان بمستو‏.‏

فإن كانت بواد ومسافر في عرضه أو بربوة أو وحدة اشترطت مجاوزة العرض ومحلّ الصّعود والهبوط إن كانت الثّلاثة معتدلةً، وإلاّ بأن أفرطت سعتها أو كانت ببعض العرض اكتفي بمجاوزة الحلّة‏.‏ قالوا‏:‏ ولا بدّ من مجاوزة مرافقها أيضًا كملعب صبيان وناد ومطرح رماد ومعطن إبل وكذا ماء وحطب اختصّا بها‏.‏

وأمّا ساكن الجبال، ومن نزل بمحلّ في بادية وحده، فإنّه يشترط في سفره مجاوزة محلّه‏.‏ وقد صرّح المالكيّة والحنابلة بأنّ سكّان البساتين ونحوهم كأهل العزب يشترط في سفرهم الانفصال عن مساكنهم‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ سواء أكانت تلك البساتين متّصلةً بالبلد أم منفصلةً عنها‏.‏

واعتبر الحنابلة العرف في ذلك فقالوا‏:‏ ليصيروا مسافرين لا بدّ من مفارقة ما نسبوا إليه بما يعدّ مفارقةً عرفاً‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة بأنّه يعتبر في سفر البحر المتّصل ساحله بالبلد جري السّفين أو الزّورق إليها‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وإن كان في هواء العمران كما اقتضاه إطلاقهم‏.‏

د - ألاّ يكون سفر معصية‏:‏

10 - اشترط جمهور الفقهاء - المالكيّة على الرّاجح والشّافعيّة والحنابلة - في السّفر الّذي تتغيّر به الأحكام ألاّ يكون المسافر عاصياً بسفره كقاطع طريق وناشزة وعاقّ ومسافر عليه دين حالّ قادر على وفائه من غير إذن غريمه‏.‏

إذ مشروعيّة التّرخّص في السّفر للإعانة‏.‏ والعاصي لا يعان، لأنّ الرّخص لا تناط بالمعاصي، ومثله ما إذا انتقل من سفره المباح إلى سفر المعصية بأن أنشأ سفراً مباحاً ثمّ قصد سفراً محرّماً‏.‏

والمراد بالمسافر العاصي بسفره أو سفر المعصية أن يكون الحامل على السّفر نفس المعصية كما في الأمثلة السّابقة‏.‏

وقد ألحق الحنابلة بسفر المعصية السّفر المكروه فلا يترخّص المسافر عندهم إذا كان مسافراً لفعل مكروه، وفي مذهب المالكيّة خلاف في التّرخّص في السّفر المكروه فقيل بالمنع وقيل بالجواز‏.‏ قال ابن شعبان‏:‏ إن قصر لم يعد للاختلاف فيه‏.‏

ثمّ إنّه متى تاب العاصي بسفره في أثنائه فإنّه يترخّص بسفره كما لو لم يتقدّمه معصية‏.‏ ويكون أوّل سفره من حين التّوبة‏.‏

وعلى هذا فإن كان بين محلّ التّوبة ومقصده مرحلتان قصر‏.‏وإن كان الباقي دونها فلا قصر‏.‏ وقد صرّح بهذا الشّافعيّة والحنابلة، ولم يتعرّض المالكيّة لذكر المسافة في حال التّوبة‏.‏ وعند بعض المالكيّة يجوز التّرخّص في سفر المعصية مع الكراهة‏.‏

ولم يشترط الحنفيّة هذا الشّرط فللمسافر العاصي بسفره أن يترخّص برخص السّفر كلّها لإطلاق نصوص الرّخص كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ وحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «فرض اللّه الصّلاة على لسان نبيّكم في الحضر أربع ركعات وفي السّفر ركعتين» قالوا‏:‏ ولأنّ القبيح المجاور - أي‏:‏ المعصية - لا يعدم المشروعيّة بخلاف القبيح لعينه وضعاً كالكفر، أو شرعاً كبيع الحرّ فإنّه يعدم المشروعيّة‏.‏

كما أنّ المعصية ليست سبباً للرّخصة والسّبب هو السّفر، والمعصية ليست عين السّفر، وقد وجد السّفر الّذي هو سبب الرّخصة‏.‏

وأمّا العاصي في سفره وهو من يقصد سفراً مباحاً ثمّ تطرأ عليه معصية يرتكبها فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يترخّص في سفره، لأنّه لم يقصد السّفر للمعصية ولأنّ سبب ترخّصه - وهو السّفر - مباح قبلها وبعدها‏.‏

الأحكام الّتي تتغيّر في السّفر

الأحكام الّتي تتغيّر في السّفر منها ما يكون للتّخفيف عن المسافر، ومنها ما لا يكون كذلك‏.‏

أوّلاً‏:‏ ما يكون للتّخفيف عن المسافر

أ - امتداد مدّة المسح على الخفّين‏:‏

11 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ السّفر يمدّ مدّة المسح على الخفّين إلى ثلاثة أيّام بلياليها بعد أن كانت يوماً وليلةً للمقيم‏.‏

لما روى شريح بن هانئ قال‏:‏ «سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن المسح على الخفّين‏.‏ فقالت‏:‏ سل عليّاً فإنّه كان يسافر مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فسألته فقال‏:‏ جعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيّام ولياليهنّ للمسافر ويوماً وليلةً للمقيم»‏.‏ وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ المسافر العاصي بسفره يمسح مدّة المقيم يوماً وليلةً، لأنّه مقيم حكماً‏.‏

وأجاز الحنفيّة المسح ثلاثة أيّام ولياليها في سفر المعصية‏.‏

ومذهب المالكيّة أنّه يجوز المسح على الخفّين في الحضر والسّفر من غير تحديد بمدّة معلومة من الزّمن ما لم يخلعه أو يحدث له ما يوجب الغسل ونحوه اختيار ابن تيميّة في المسافر الّذي يشقّ اشتغاله بالخلع واللّبس كالبريد المجهّز في مصلحة المسلمين‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏مسح على الخفّين‏)‏‏.‏

ب - قصر الصّلاة وجمعها‏:‏

12 - أجمع الفقهاء على مشروعيّة قصر الصّلاة في السّفر‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏‏.‏

ولما روى يعلى بن أميّة قال‏:‏ «قلت لعمر بن الخطّاب‏:‏ ‏{‏فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ فقد أمن النّاس‏.‏ قال‏:‏ عجبت ممّا عجبت منه‏.‏ فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ صدقة تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته»‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ السّفر من الأعذار المبيحة لجمع الصّلوات‏.‏

وعند الحنفيّة لا يجوز الجمع بين فريضتين إلاّ في عرفة ومزدلفة‏.‏ فيجمع بين الظّهر والعصر في وقت الظّهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏صلاة المسافر‏)‏‏.‏

ج - سقوط وجوب الجمعة‏:‏

13 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإقامة من شروط وجوب الجمعة‏.‏ وعلى هذا فلا تجب الجمعة على المسافر لقول النّبيّ‏:‏ «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فعليه الجمعة إلاّ مريض أو مسافر أو امرأة أو صبيّ أو مملوك» ولأنّ النّبيّ وأصحابه كانوا يسافرون في الجمع وغيره فلم يصلّ أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير، ولأنّ المسافر يحرج في حضور الجمعة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏صلاة الجمعة‏)‏‏.‏

د - التّنفّل على الرّاحلة‏:‏

14 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز التّنفّل على الرّاحلة في السّفر لحديث ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير»‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏تطوّع‏)‏‏.‏

هـ - جواز الفطر في رمضان‏:‏

15 - اتّفق الفقهاء على أنّ السّفر بشروطه السّابقة هو من الأعذار المبيحة للفطر في رمضان، فيجوز للمسافر أن يفطر في رمضان لقوله تعالى‏:‏ «ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام أخر» وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليس من البرّ الصّوم في السّفر» وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ أحكام السّفر لغير التّخفيف

أ - حكم انعقاد الجمعة بالمسافر‏:‏

16 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ من شروط صحّة صلاة الجمعة الاستيطان، فلا تصحّ الجمعة بالمسافر ولا تنعقد به، أي لا يكمل به نصابها‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى انعقاد الجمعة بالمسافر‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏صلاة الجمعة‏)‏‏.‏

ب - تحريم السّفر على المرأة إلاّ مع زوج أو محرم‏:‏

17 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على المرأة أن تسافر بمفردها، وأنّه لا بدّ من وجود محرم أو زوج معها‏.‏

لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة»، ولحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعاً‏:‏ «لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلاّ ومعها محرم، فقال رجل‏:‏ يا رسول اللّه إنّي أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحجّ‏.‏ قال‏:‏ اخرج معها»‏.‏

18 - ويستثنى من منع سفر المرأة بدون زوج أو محرم المهاجرة والأسيرة‏.‏

فقد اتّفق الفقهاء على أنّ المرأة إذا أسلمت في دار الحرب لزمها الخروج منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها ذو محرم، وكذا إذا أسرها الكفّار وأمكنها أن تهرب منهم فلها أن تخرج مع غير ذي محرم، ولا يعتبر الحنفيّة خروج المرأة في هذه الحالة سفراً‏.‏

قال الكمال بن الهمام‏:‏ لأنّها لا تقصد مكاناً معيّناً بل النّجاة خوفًا من الفتنة، فقطعها المسافة كقطع السّائح‏.‏

ولذا إذا وجدت مأمناً كعسكر من المسلمين وجب أن تقرّ ولا تسافر إلاّ بزوج أو محرم‏.‏ على أنّها لو قصدت مكاناً معيّناً لا يعتبر قصدها ولا يثبت السّفر به، لأنّ حالها وهو ظاهر قصد مجرّد التّخلّص يبطل تحريمتها‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ إن كان يحصل لها ضرر بكلّ من إقامتها وخروجها دون رفقة مأمونة خيّرت إن تساوى الضّرران‏.‏

كما أجاز المالكيّة والشّافعيّة للمرأة أن تسافر للحجّ الواجب مع الرّفقة المأمونة‏.‏

ولم يقل بذلك الحنفيّة والحنابلة، وقد سبق تفصيله في مصطلح ‏(‏رفقة ف 9 / 22 /299‏)‏ وألحق المالكيّة بالحجّ سفرها الواجب، فيجوز لها أن تسافر مع الرّفقة المأمونة من النّساء الثّقات في كلّ سفر يجب عليها‏.‏

قال الباجيّ‏:‏ ولعلّ هذا الّذي ذكره بعض أصحابنا إنّما هو في الانفراد والعدد اليسير، فأمّا في القوافل العظيمة والطّرق المشتركة العامرة المأمونة فإنّها عندي مثل البلاد الّتي يكون فيها الأسواق والتّجّار فإنّ الأمن يحصل لها دون ذي محرم ولا امرأة وقد روي هذا عن الأوزاعيّ‏.‏ قال الحطّاب‏:‏ وذكره الزّناتيّ في شرح الرّسالة على أنّه المذهب فيقيّد به كلام غيره‏.‏ أمّا سفرها في التّطوّع فلا يجوز إلاّ مع زوج أو محرم‏.‏

كما أجاز الفقهاء للمرأة الّتي وجبت عليها العدّة في سفرها أن تسافر بغير محرم‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ إن لزمتها العدّة في السّفر، فإن كان الطّلاق رجعيّاً فإنّها تتبع زوجها حيث مضى لأنّ النّكاح قائم وإن كان بائناً أو مات عنها وبينها وبين كلّ من مصرها ومقصدها أقلّ من السّفر، فإن شاءت مضت إلى المقصد وإن شاءت رجعت سواء كانت في مصر أو لا، معها محرم أو لا، لأنّه ليس في ذلك إنشاء سفر، وخروج المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها ما دون السّفر مباح إذا مسّت الحاجة إليه بمحرم وبغيره، إلاّ أنّ الرّجوع أولى ليكون الاعتداد في منزل الزّوج‏.‏ فإن كانت مسافة أحدهما أقلّ تعيّن، ونحوه مذهب الحنابلة إلاّ أنّهم قالوا‏:‏ إنّ مضيّها في سفرها لا يجوز إلاّ إذا كان معها محرم، لكن إن كان في رجوعها خوف أو ضرر فلها المضيّ في سفرها‏.‏

وأوجب المالكيّة عليها في تلك الحالة أن ترجع إلى منزلها إن بقي شيء من العدّة ولكن مع ثقة ولو غير محرم وقال الشّافعيّة الأفضل عود المرأة إلى بيتها ولا يلزمها ذلك إن مات زوجها وهما في السّفر‏.‏

حكم السّفر في يوم الجمعة

19 - اتّفق الفقهاء على حرمة السّفر في يوم الجمعة بعد الزّوال لمن تلزمه الجمعة، لأنّ وجوبها تعلّق به بمجرّد دخول الوقت، فلا يجوز له تفويته‏.‏

والحكم عند الحنفيّة الكراهة التّحريميّة، وحدّدوا ذلك بالنّداء الأوّل‏.‏

واستثنوا من ذلك ما إذا تمكّن المسافر من أداء الجمعة في طريقه أو مقصده، فلا يحرم حينئذ لحصول المقصود بذلك‏.‏

كما استثنى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة التّضرّر من فوت الرّفقة، فلا يحرم دفعاً للضّرر عنه‏.‏

وأمّا السّفر قبل الزّوال، فهو محلّ خلاف بين الفقهاء، فذهب المالكيّة والحنابلة إلى كراهة السّفر قبل الزّوال، لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره، ولا يعان في حاجته»‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ بعد فجر يومها على المشهور خلافاً لما رواه عليّ بن زياد وابن وهب عن مالك بإباحته‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ بعد طلوع الفجر قبل الزّوال إلاّ إذا أتى بها في طريقه فلا يكره‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى جواز السّفر قبل الزّوال بلا خلاف عندهم، وكذا بعد الفراع منها وإن لم يدركها‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى تحريم السّفر قبل الزّوال أيضاً - وأوّله الفجر - لوجوب السّعي على بعيد المنزل قبله، والجمعة مضافة إلى اليوم‏.‏ فإن أمكنه الجمعة في طريقه أو تضرّر بتخلّفه جاز وإلاّ فلا‏.‏ ولا فرق في ذلك بين أن يكون السّفر مباحاً أو طاعةً في الأصحّ‏.‏

كما يكره عند الشّافعيّة السّفر ليلة الجمعة لخبر «من سافر ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه»‏.‏

سفر المدين

20 - اتّفق الفقهاء - في الجملة - على أنّه ليس لمن عليه دين حالّ أن يسافر بغير إذن دائنه‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة بأنّ للدّائن أن يمنع المدين من السّفر إذا كان الدّين حالّاً، وليس له ذلك في الدّين المؤجّل إلاّ إذا كان سفره طويلاً ويحلّ الدّين في أثنائه‏.‏

وهذا هو مذهب المالكيّة، إلاّ أنّهم أجازوا له السّفر إذا كان الدّين حالّاً ولم يكن قادراً على الوفاء‏.‏

وأجاز الشّافعيّة السّفر إن كان الدّين مؤجّلاً مطلقاً سواء أكان الأجل قريباً أم بعيداً‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏غريم، ودين‏)‏‏.‏

آداب السّفر

21 - للسّفر آداب كثيرة منها‏:‏

أ - إذا استقرّ عزم المسافر على السّفر، لحجّ أو غزو أو غيرهما، فينبغي أن يبدأ بالتّوبة من جميع المعاصي، ويخرج من مظالم الخلق، ويقضي ما أمكنه من ديونهم، ويردّ الودائع، ويستحلّ كلّ من بينه وبينه معاملة في شيء، أو مصاحبة ويكتب وصيّته، ويشهد عليها، ويوكّل من يقضي ما لم يتمكّن من قضائه من ديونه، ويترك نفقةً لأهله ومن تلزمه نفقتهم إلى حين رجوعه‏.‏

ومن السّنّة أن يستخير اللّه تعالى فيصلّي ركعتين غير الفريضة ثمّ يدعو بدعاء الاستخارة ينظر ‏(‏استخارة‏)‏ وينبغي إرضاء والديه ومن يتوجّه عليه برّه وطاعته‏.‏

ب - يستحبّ أن يرافق في سفره من هو موافق راغب في الخير كارهاً للشّرّ إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، ويستحبّ أن يرافق في سفره جماعةً لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال‏:‏ «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو أنّ النّاس يعلمون ما أعلم من الوحدة ما سرى راكب بليل يعني وحده»‏.‏

ج - يستحبّ أن يكون سفره يوم الخميس فإن فاته فيوم الاثنين وأن يكون باكراً ودليل الخميس ما أخرجه البخاريّ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يحبّ أن يخرج يوم الخميس» وفي رواية‏:‏ «أقلّ ما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخرج إلاّ يوم الخميس» ودليل يوم الاثنين «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم هاجر من مكّة يوم الاثنين» ودليل البكور حديث صخر الغامديّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «اللّهمّ بارك لأمّتي في بكورها قال وكان إذا بعث جيشاً أو سريّةً بعثهم أوّل النّهار، وكان صخر تاجراً وكان إذا بعث تجّاره بعثهم أوّل النّهار فأثرى وكثر ماله»‏.‏

ويستحبّ السُّرَى في آخر اللّيل لحديث أنس قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «عليكم بالدُّلْجة فإنّ الأرض تطوى باللّيل»‏.‏

د - ويستحبّ للمسافر إذا أراد الخروج من منزله أن يصلّي ركعتين يقرأ في الأولى ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ وفي الثّانية ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ ففي الحديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ما خلّف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد السّفر»‏.‏

وعن أنس قال «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا ينزل منزلاً إلاّ ودّعه بركعتين»‏.‏

هـ - يستحبّ أن يودّع أهله وجيرانه وأصدقاءه وسائر أحبابه وأن يودّعوه ويقول كلّ واحد لصاحبه أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك زوّدك اللّه التّقوى وغفر لك ذنبك ويسّر الخير لك حيثما كنت لحديث «ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول للرّجل إذا أراد سفراً‏:‏ هلمّ أودّعك كما ودّعني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أستودع اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك» وعن عبد اللّه بن يزيد الخطميّ رضي الله عنه قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودّع الجيش قال أستودع اللّه دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم»‏.‏ وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه إنّي أريد سفراً فزوّدني‏.‏ فقال‏:‏ زوّدك اللّه التّقوى‏.‏ فقال‏:‏ زدني فقال‏:‏ وغفر ذنبك‏.‏ قال زدني‏:‏ قال ويسّر لك الخير حيثما كنت»‏.‏

و - يستحبّ أن يؤمّر الرّفقة على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأياً ويطيعونه لحديث أبي سعيد وأبي هريرة قالا ‏"‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم»‏.‏

ز - يستحبّ للمسافر أن يكبّر إذا صعد الثّنايا وشبهها ويسبّح إذا هبط الأودية ونحوها ويكره رفع الصّوت لحديث جابر قال «كنّا إذا صعدنا كبّرنا وإذا نزلنا سبّحنا» وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال‏:‏ «كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكنّا إذا أشرفنا على واد هلّلنا وكبّرنا ارتفعت أصواتنا‏.‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم يا أيّها النّاس اربعوا على أنفسكم فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً إنّه معكم سميع قريب»‏.‏

ويستحبّ إذا أشرف على قرية يريد دخولها أو منزل أن يقول اللّهمّ إنّي أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها‏.‏ لحديث صهيب رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم ير قريةً يريد دخولها إلاّ قال حين يراها اللّهمّ ربّ السّموات السّبع وما أظللن وربّ الأرضين السّبع وما أقللن وربّ الشّياطين وما أضللن، وربّ الرّياح وما أذرين فإنّا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها»‏.‏

ح - يستحبّ للمسافر أن يدعو في سفره في كثير من الأوقات لأنّ دعوته مجابة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»‏.‏

ط - السّنّة للمسافر إذا قضى حاجته أن يعجّل الرّجوع إلى أهله لحديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال «السّفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجّل إلى أهله»

ويكره أن يطرق أهله طروقاً بغير عذر وهو أن يقدم عليهم في اللّيل‏.‏

بل السّنّة أن يقدم أوّل النّهار وإلاّ ففي آخره لحديث أنس قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله وكان لا يدخل إلاّ غدوةً أو عشيّةً»‏.‏

وقد أوصل النّوويّ آداب السّفر إلى اثنين وستّين أدبًا فصّلها في كتابه المجموع‏.‏